الثلاثاء، 20 يناير 2009

دوائرنا وقصص المواطنين


ابتسام يوسف الطاهر
"الوسط العراقي"

كثير من المسؤولين يدينون الفساد الاداري ويشيدون بالقرارات التي أُريد منها تحسين وضع المواطن المادي والاجتماعي.. لكنهم في الوقت نفسه يرفضون الاشارة للسلبيات و الحديث عن الفساد الاداري من قبل الصحفيين او غيرهم من المواطنين من خلال وسائل الاعلام من صحافة او فضائيات..
ويدعي البعض منهم انهم مستعدون لسماع شكاوى المواطنين والعمل على تحسين الوضع والقضاء على السلبيات. ولكن واقع المؤسسات والدوائر لم يشهد أية تغيير بل يزداد سوءا، فلم تصدر أية قرارات او تستحدث أية آليات لمتابعة سير العمل بها او محاسبة المقصرين ومعاقبة المرتشين ومن لا يقوم بعمله بالشكل المطلوب.. فقد صدرت قرارات ايجابية كثيرة يشعر معها المواطن بنهاية رحلة العذاب التي لازمها عقوداً وامتدت لاجيال كان يأمل ان يجنبها مامر به من مصاعب ومصائب وكوارث انسانية، او يشعر معها بأن صبره قد عوض خيرا..
ولكن.. حين يصطدم بواقع تنفيذ هذه القرارات والحلقة المفرغة التي يدور بها بين الدوائر المعنية، يتأكد ان مصائبه مزمنة لاعلاج لها الا بعملية استئصال تشمل كل مناحي الحياة المشوهة وليس حزب البعث وحده!! فعلى سبيل المثال المهجرين والمهاجرين والمنفيين كل هؤلاء وعدوا بتعويضهم خيرا.. اعادتهم لوظائفهم واحتساب مدة حرمانهم من الوطن والاهل كخدمة لاغراض التقاعد.. وانقاذهم من التشرد والتهجول بين مساكن الايجار بمنحهم قطعة ارض في أي مكان من الوطن ليشعر معها بالاستقرار والأمان.. وارامل الشهداء وعدوا برواتب تقاعدية وان كانت بائسة قد تشكل اقل من نصف واحد بالمائة من تقاعد اعضاء البرلمان..! الذين لا ندري لماذا تدفع لهم الملايين بالكيلوات مع ان أغلبهم لم يقدموا الخدمة المرجوة منهم ولا نراهم الا زاعقين مهرجين ولم يصدر عنهم قرار شاف لصالح المواطن الذي والمفروض انهم ممثلون عنه بمجلس البرلمان..
هل من المنطقي ان يصل تقاعد البرلماني لأكثر من 30 مليونا؟! بينما تقاعد الارامل لا يتعدى المئتين؟ والتي لا تفي اجرة السكن شهريا؟!! المشكلة انه حتى هذه المئتان لا تصلهن الا بعد نضال مرير وصبر كصبر الحمير وصراع مع موظفين بلا ضمير!! ولشهور وسنين ورحلات مكوكية تضطر المواطن للتقتير على نفسه واولاده او يستدين!! فحين يقسو عليك الدهر وتدخل اية دائرة او مؤسسة من ابوابها.. ينتابك الاحساس بالغثيان والهلع وانت تشاهد انه لا وجود لأبواب تطرقها فليس هناك غير نوافذ مغلقة دوما ويتطلع المراجعون من قضبان تغلفها اسوأ من قضبان السجون التي نراها بالافلام، لان سجوننا محرومة حتى من هكذا قضبان.. يتدافع المواطنون نساء ورجالاً شبابا وعجائز لعلهم يصلون الشباك، وبعد صراع مهين ومرير يصلون القضبان ليصطدموا بغرف قذرة خالية الا من بضعة كراسي ولا وجود لموظف يشغلها، والمكاتب علاها الغبار والاهمال ، وأوراق مهملة متناثرة على الارض، تلك الأوراق التي ركضت شهورا للحصول عليها ومررت بعشرات الشبابيك لتحظى بتوقيع احدهم عليها لتجدها مركونة او مرمية على الارض باحدى الزوايا..لا أحد تسأله ولا أحد يسألك (كيف أساعدك؟) ولا حتى (نعم ..ماذا تريد؟) لا أحد يسمع نداء امهاتنا "عيني فدوة ..ماكو احد يسمع؟"
وان حالفك الحظ ومر من امامك شبح موظف، فانه يتجنب التطلع لك لئلا يفتضح جهله، فيجند ذكاءه بجواب واحد (معاملتك مو يمنا..ارجع للدائرة التي اتيت منها) ويهرب دون ان يسمع رجاءك "كنت هناك وهم أرسلوني لكم....هذه المرة العاشرة!!" بطبيعة الحال الدائرة الاخرى لا تختلف عن غيرها ، فالمواطن اشبه بكرة قدم يتقاذفها موظفو تلك الدوائر الذين هم اسوأ من أي فريق لاعبيه غير محترفين ولا يعرفون اللعب كفريق ولا يعنيهم فوز فريقهم. فالموظفون لم يمروا بأية فترة تدريبية ولا يعرفون شيئا عن القوانين او القرارات التي تتغير بين حين وآخر، لا يعرفون عن الوظيفة غير أنها وسيلة لإشباع رغبة التسلط والتحكم بالناس، الأمر الذي اعتادوه في العقود السابقة، او محاولة للاغتناء السريع غير المشروع من خلال ابتزازهم للمواطن فيما اعتادوه من رشاوى يفرضونها ليضاعفوا رواتبهم غير مبالين بمعاناة الاخر مادام ليس هناك من يحاسبهم او يعاقبهم على جرائمهم التي اقلها إهانة المواطن إضافة لسرقة أموال الدولة والشعب من خلال الرشاوى والرواتب التي يتقاضونها مقابل تهربهم من المسؤولية وتضييع وقت الدولة والمواطن.. بعض المراجعين افترشوا الأرض الجرداء بانتظار الأمل المفقود فليس لهم القدرة على التفريط بالجهد الذي بذلوه للوصول لتلك الدائرة والاموال التي صرفوها ليعودوا بخفي حنين..
البعض نفد صبرهم وصاروا يشتمون ويسبون ولا يسمعهم غير الذين مثلهم ينتظرون.. ومنهم تمكن منهم اليأس وانسحب بعد صرخات لم يعبأ بها المدير الذي لا وجود له ولا الموظف الذي يتلذذ بتعذيب واهانة من هم بحاجة لخدماته دون اي احساس بتعذيب الضمير ولا اي شعور بالذنب فهو لم يخطر بذهنه ان الدولة تدفع له راتبا مجزيا لقاء خدمته لهؤلاء المواطنين. فقد صارت معظم الدوائر والمؤسسات الخدمية ليست مستحيلة فقط بل كابوسية والموظفون اشبه بالسجانين .. وكما عبر احد المراجعين انهم اشبه "بعقاب من الله لا يلجأ لهم الا من لا حيلة له". فصار لكل منا قصة مع احدى الدوائر تلك، قصة سريالية اشبه بقصص زكريا ثامر، سواء كانت مؤسسة اعلامية او طبية او خدمية ابتداء من المجالس البلدية لدائرة الهجرة والمهجرين وغيرها . فلا تملك الا ان تخرج محبطا مهزوما لا أمل لك الا بعربة تجوب بها الشوارع الخربة تبيع اللبلبي او الشلغم، الذي تراه اكثر حفاظا على كرامتك من كل (التشلْغم) الذي تجده في تلك الدوائر.

ليست هناك تعليقات: