الأحد، 25 يناير 2009

بدعم امريكي وكردي..بائع أدوات إحتياطية، يتحول الى قائد في الموصل

الذين يتابعون التطورات في محافظة نينوى يقولون إنّ الانتخابات المحلية قد تقود الى صعود "حاكم جديد" يمثل الأغلبية السنية، وهذا الأمر يشكل بالنسبة للأكراد "تقهقر سيطرتهم السابقة" على المحافظة. ولهذا فإن المراقبين يتوقعون أن صعود "مرشح يؤازره الأكراد" يمكن أن يؤدي الى تفجير الحالة الأمنية من جديد، خاصة أنّ "مناخ الفوضى الحالي" يسمح بنشوب عمليات عنف غير محسوبة النتائج.
ويرى هؤلاء المراقبون أن الانتخابات المحلية في المحافظة، تشكل أكبر "اختبار" لحالة الصراع بين الأكراد وبين العرب السنة في المحافظات الشمالية. وأنّ "نتائج" هذا الاختبار، ستُلقي بظلالها على ما سيحدث في مناطق كثيرة يتنازع عليها الأكراد والعرب السنة كركوك والمناطق الأخرى المختلف عليها والتي تمتد على طويل الشرط الأخضر الذي يحادد محافظات إقليم كردستان من سنجار وحتى مدينة خانقين في ديالى.
ويقول (نيد باركر) مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز إنّ (دريد كشمولة)الحاكم شبه المستقل في محافظة نينوى، ينظر الى نفسه على أنه "صمام الأمان" بين المجموعات العرقية المتنافسة في المنطقة، لكنه يخطط للذهاب الى "المنفى" حسب تعبيره في إقليم كردستان المجاور للموصل في نهاية فترة سلطته. و "كشمولة" الذي نجا من عدد من محاولات اغتيال تستهدف حياته، سيترك الموصل وهي غارقة في الفوضى، فيما تطلق عليه الميليشيات السنية التي تهيمن على المدينة "سرياً" لقب "الحاكم الانتهازي". ويضيف المراسل قوله: إن محافظ نينوى، الرجل الذي يقود سيارته في محيط يشتهر باستخدام القنابل اليدوية، يفخر أنه بقي "حياً يرزق" خلال فترة عصيبة مرّت بها المدينة الشمالية.
وينظر مراسل لوس أنجلوس تايمز الى الموصل "مركز محافظة نينوى" على أنها "أكبر مناخ للفوضى من أية مدينة عراقية في الوقت الحاضر" على الرغم مما يسمّيه "بحر الجدران الكونكريتية التي تحيط ببنايات الموصل" إضافة الى نقاط التفتيش للشرطة والجيش، والانفجارات الكبيرة التي تهز المدينة يومياً تقريباً. ويقول إن العرب السنة والأكراد الذين يتقاسمون السيطرة على المدينة، ينشغلون الى "مستوى قمم رؤوسهم" بالمنافسة العنيفة التي تهدف –عند كل منهما- الى فرض السيطرة على أرض الموصل والمناطق المحيطة بها والتي تشكل "خليطاً معقداً من التنوع الإثني والديني والطائفي أيضا للسكان"!. وسواء أكان توصيفهم "عادلاً" أم "ظالماً" فإن الناس في هذه المدينة يعدّون (كشمولة) رمزاً لـ "فشل الإجراءات الأمنية" في الموصل.
بعض العرب السنة يطلقون على المحافظ (كشمولة) بأنه "دمية الأحزاب الكردية" التي جاءت للسيطرة على الحياة السياسية في محافظة "عربية تسكنها الأغلبية السنية". وآخرون ينظرون إليه بشكل معاكس تماماً، إذ يعدّونه "رجلاً شجاعاً" لكنه غير مؤهّل بسبب تعثر "إجراءاته"، ويقولون إنّ "وقته قد مضى" ولابد أن يحل مكانه رجل آخر أكثر كفاءة.
وخلال 4 سنوات ونصف السنة، أمضاها (كشمولة) محافظاً لنينوى، كانت مجموعات الميليشيات السنية قد أطلقت عليه لقب "الرجل الانتهازي" وبموجب ذلك شنّت "حملة تشويه" ضده وضد كل السياسيين القريبين منه. ولأنه نجا من عدد من محاولات الاغتيال التي نفذتها الميليشيات السنية، فإن الجميع برغم تنازعهم على كل شيء يتفقون على أنه "رجل محظوظ". يقولون ذلك مع أن ابنه (17 سنة) اغتيل في شهر أيلول سنة 2004. كما اغتيل ابن أخ له في نهاية سنة 2005. وقتل أخوه في أواخر سنة 2006. وذبح 9 من أبناء عمّه. و17 شرطياً من حراسه قتلوا أيضا.
ويقول (كشمولة) 65 سنة إنه لن يتوانى عن اختيار الطريق ذاته على الرغم من كل التضحيات الكبيرة التي دفعها ثمناً لعمله. ويضيف: ((أنا أشعر بالألم، لكنني أؤمن أنها مشيئة الله)). ويؤكد أنه لم يعد "آمناً" في المحافظة التي ولد فيها، ولذا فإنه سيغادرها الى "المنفى" في مكان من كردستان، بعد أن يتسلم خلف له منصب المحافظة كنتيجة للانتخابات المحلية في المحافظة نهاية الشهر. إنه سيغادر المحافظة التي أحب، بناسها وبكل ما فيها من ذكريات ومن قبور لأحبته!.
وخلال الأيام الأولى للاحتلال –يقول مراسل الصحيفة الأميركية- كانت الموصل تعدّ "نجاحاً في التغيير" لفترة ما بعد حكم الرئيس السابق (صدام حسين). لكن الأمور تغيّرت تماماً ابتداء من أواخر سنة 2004، فالكثيرون من العرب السنة ثاروا ضد النظام الجديد وأعلنوا مقاطعة انتخابات كانون الثاني 2005. وهذه "الثورة غير محسوبة النتائج" أدت الى سيطرة الأقلية الكردية على نينوى، فيما اضطرت الأحزاب العربية المعزولة عن حكم المحافظة الى تصعيد العنف في بقعة من المحافظة ولاسيما في مركزها الموصل.
وأوضح (نيد باركر) قوله: عندما قرر العرب السنة –الذين ينتمي كشمولة إليهم- تجنب العملية السياسية، خرق هو هذا القرار. واستفاد من سمعة عائلته المعارضة لنظام الرئيس السابق (صدام حسين)، ومن صداقة عشيرته طويلة المدى مع الأكراد، وبهذا أصبح محافظ الموصل في تموز 2004 بعد سلفه، وابن عمه (أسامة كشمولة) الذي اغتيل وهو يقود سيارته في بغداد.
يؤكد (دريد كشموله) قوله: ((أنا صمام الأمان في هذه المدينة)). ويضيف (كشمولة) الذي لم يكن في السابق إلا بائعاً لـ "أدوات احتياطية للسيارات": ((أنا أنظر نظرة مساواة للسنة وللشيعة وللأكراد، وجميع هؤلاء متساوون)). وإذ تبحث الأكثرية السنية عن احتلال مكانها الشرعي الذي تستحقه في محافظة نينوى من خلال الانتخابات المحلية التي ستجرى نهاية الشهر، فإن (كشمولة) يحذر بأن هناك الكثير الذي يمكن يُتعلم منه في كيفية إدارته لمسؤوليته كمحافظ خلال ما يقرب من خمس سنوات. ويشدد (دريد كشموله) على القول: ((إن أي حاكم سيأتي الى منصب المحافظ في هذه المحافظة ولديه عداوة مسبقة مع فئة من فئات المجتمع في المدينة سيفشل)). يقول إنّ على الآخرين أن يستفيدوا من نصيحته!.

نقلته المصادفة من "بائع أدوات احتياطية" في الموصل الى زعيم لها، ونجا من عشرات التفجيرات ومحاولات الاغتيال. وكل الذين يعيشون في الموصل يقولون إن نائبه الكردي (خسرو كوران) هو الحاكم الحقيقي. ولم يحقق (كمشوله) هدفاً واحداً خلال رئاسته لمحافظة نينوى، وسكانها العرب السنة يقولون إنه أوصلها الى الجحيم، لكنه يؤمن أنه ضحى بالكثير، لكنه في نهاية المطاف سيترك الموصل بعد أقل من أسبوعين، ويقضي حياته في "أربيل" ليحميه الأكراد كما "خدمهم" بحسب تعبير أحد المراقبين في الموصل.
ويصف (نيد باركر) مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز اليوم الذي وصل فيه الموصل بقوله: كان صباحاً مشحونة سماؤه بالغيوم، لذا كان محافظ نينوى (دريد كشموله) يرتدي معطفاً رياضياً من قماش الكودري، وربطة عنق متعددة الألوان، ويحتفظ ببندقية كلاشنكوف هجومية وضعها الى جانبه في سيارته الـ (لاندكروزر) المدرعة ضد الرصاص. وحارسه الشخصي وسائقه يفعلان الشيء ذاته. وكانت عربته واحدة من سيارات SUV البيض المتماثلة المملوءة بـ "رجال القوات الخاصة الكردية"، الذين تسابقوا في الدخول الى مبنى المحافظة المحاط بالحماية.
ويتابع المراسل قوله: كان (كشموله) يدخل المبنى، وهو تقريباً خالي اليدين في يوم عطلة رسمية. ورجال الحرس القليلون في الباب ضربوا أرجلهم بقوة على الأرض، كتحية عسكرية له حالما رأوه، باعتباره حاكماً للمدينة. وكان يعرُج الى مدخل المبنى وهو يومئ برد التحية. ويصف (باركر) هيئة (كشموله) بقوله: إن التناقض بين شعره الخفيف المتطاير، وبين حاجبيه كثيفي الشعر، يعطيه هيئة شخص "غير معتن" بهندامه.
وحالما دخل مكتبه ارتمى على كرسيه الجلدي. وثمة نسر مذهّب "رمز العراق الوطني" يلوح معلقاً على جدار خلفه. ينقر (كشموله) على زر الجرس لينادي على مساعده، كي يجلب له العلبة الأولى من عشرات السجائر التي سيبدأ تدخينها في تلك الساعة من الصباح.
يقول (كشموله) وهو يستند الى قاعدة كرسيه الجلدي: ((لقد أعطيت ما يكفي من العمل لبلدي. لقد خدمت أربع سنين في الموصل في أوقات مختلفة)). ويضيف المراسل قوله: لو لم يتعرّض ابن عمه للاغتيال، لكان يفضل الاستمرار بحياته السابقة كمزارع أو كبائع لقطع غيار السيارات. إن عائلته تتمتع بسمعة معارضة نظام الرئيس السابق (صدام حسين)، ويذكر له الأكراد أنه حماهم من أعمال شغب أثارتها غضبة للعرب السنة في المدينة أواخر الستينات من القرن الماضي، أي في زمن حكم الزعيم العراقي (عبد الكريم قاسم) الذي لم يكن يحظى باحترام سكان الموصل بعد سماحه للشيوعيين باجتياح العراق وإعدام الكثيرين من قوميي الموصل. و(كشموله) نفسه خدم في الجيش العراقي ثم طرد منه. لقد أحيل الى التقاعد وتفرغ لحياته الهادئة كتاجر.
لا شيء طوال تلك الفترة –كما يقول مراسل الصحيفة الأميركية- يشير الى أهمية سيرة الرجل في الحياة العامة للمجتمع، لكنه قرر أن يضع اسمه في أحرج مرحلة تاريخية، عندما قبل أن يحتل منصب ابن عمه الذي اغتيل من قبل القاعدة، وبذلك اختير محافظاً من بين أعضاء مجلس نينوى. والى الآن يعيش (كشموله) في حالة ذهول من المرحلة الصعبة التي دامت أكثر من أربع سنين في حياته كحاكم في المدينة.
ويقول عن ذلك ((لقد فوجئنا)). وأضاف: ((لقد بدأ الناس ينقلبون ضدنا، وانتشرت الشائعات أن الأكراد هم الذين يحكمون المحافظة، وأننا نتعاون مع الأكراد)). ثم أوضح المراسل بعض ما فهمه من تفاصيل مجريات الأحداث في الموصل قائلاً: وقتها شرع المقاتلون السنة بإشعال ثورة ضد قوات الاحتلال والقوات الحاكمة في المحافظة في تشرين الثاني من سنة 2004، مما اضطر رجال الشرطة الى ترك مواقعهم. وبدأت القوات الأميركية والقوات الأمنية الكردية تقاتل لشهور لتستعيد السيطرة على المحافظة. وفي الوقت نفسه، كان الزعماء الدينيون السنة يدعون الى مقاطعة أول انتخابات تُجرى بعد رحيل نظام (صدام حسين).
لكنّ (كشموله) كما يقول مراسل لوس أنجلوس تايمز، كان وقتها يمارس سلطته كحاكم للمحافظة، أهمل ذلك النداء، وقرر دخول الانتخابات بالاتفاق مع التحالف الكردي، الذي فاز بـ 31 مقعداً في مجلس يتكون من 41 مقعداً لكنّ سبب ذلك الفوز بالتأكيد، لم يكن إلا بسبب مقاطعة العرب السنة من سكان نينوى لتلك الانتخابات وهو الشيء نفسه الذي فعله سكان العديد جميع المحافظات التي تسكنها أغلبية سنية كالأنبار وصلاح الدين وديالى وحتى في العاصمة بغداد.
وخلال ذلك الشتاء، كان المحافظ وقلة من مسؤولي نينوى، يجلسون في مقاعد المجلس وهم مدججون بالسلاح، مدعومين من قبل القوات الأميركية، ويسكنهم الخوف من أن بناية المحافظة يمكن أن تسقط في أية لحظة بيد المتمردين المتطرفين. وبصدد ذلك يقول (كشموله) قبل أن يرتشف بعض الشاي: ((لقد خدمنا المدينة، وأعطينا ضريبة الدم)).
ويتحدث المحافظ عن القنبلة التي رفعت سيارته المدرعة عن الأرض خلال أعياد الكريسماس، فيما كان يقوم بجولة في مدينة الموصل لزيارة المسيحيين. لقد تعرضت سيارته المدرعة SUV لضربة بعد اصطدامها بالأرض، أدت الى كسر ساقي سائقه.
ويقول (كشموله): ((لقد نزلت من السيارة. وأزلت الغبار من على بدلتي، وتأكدت أنني إنسان محظوظ)). وأضاف رافعاً حاجبيه: ((وكل الذي فعلته، أنْ قمت بإرسال الجرحى الى المستشفى، ووصلت طريقي الى الكنيسة)). وفي الخريف، كان (كشموله) يتمشى في موقف السيارات الخاص ببناية المحافظة، عندما تفجّرت سيارة من نوع فولكس واغن، مرسلة كرة نارية كبيرة في سماء المكان. كان (كشموله) يراقب ألسنة اللهب والأنقاض التي تنزل كالمطر في المكان من حوله.
ويقول كشموله تعليقاً على هذه الأحداث: ((لو أن كل الناس من حولك تسعى الى دفنك، لكن الله لا يريد ذلك، فلا شيء سيحدث. أنا أؤمن بذلك. وعندما تنتهي خبزتي، سوف أموت، سواء أكان ذلك بسيارة مفخخة أو على سرير النوم)). وأضاف: ((لقد ولدنا لكي نموت))!.
يقول (كشموله) إنه حقق أهدافه. لقد أبقى حكومته متوحدة (31 عضواً في المجلس من الأكراد و10 فقط من العرب السنة والمسيحيين والشيعة والتركمان) عندما انهار المجتمع. ولكنه لم يستطع أن ينهي العنف، أو يستحدث الوظائف للعاطلين، أو يستعيد الكهرباء، أو ينهي التوترات بين الأكراد والعرب.
ويؤكد مراسل الصحيفة الأميركية أن (كشموله) لا يذكر أنه لا يستطيع أن يفوز بمنصب المحافظ ثانية. وبدلا من ذلك، يقول إنه تعب وضحّى بما فيه الكفاية. وهو يثني على نائبه الكردية (خسرو كوران) الذي يعدّه الكثيرون السلطة الحقيقية في "حكومة كشموله". ولكنْ على ما يبدو جاء الوقت ليقول مع السلامة. أصدقاؤه "الأكراد" حذروه من أنه سيقتل، إذا ما بقي في الموصل، المكان الذي قال إنه تمنى أن "يعيش فيه الأكراد والعرب في وئام".
ولذا –يقول نيد باركر- سيُمضي (كشموله) بقية حياته في أربيل عاصمة إقليم كردستان، حيث ترفرف فوق رأسه الأعلام الكردية الصفراء بدلاً من أعلام العراق، وحيث يتحدث الناس لغة أخرى غير اللغة التي يتقنها كشمولة. وهناك، سوف يعيد هذا الرجل المكتبة التي فقدها عندما اشتعلت النيران بالبيت الذي بناه وعاش فيه أكثر من 30 سنة. يقول (كشموله): ((سأمكث في البيت، وأقرأ أكوام الكتب. وأكد وهو يداعب مسبحته قلقاً: ((أربيل جزء من العراق)).


المصدر : الملف برس - الكاتب: الملف برس

ليست هناك تعليقات: