الأحد، 22 فبراير 2009

مكافحة الفساد


محمد عبدالجبار الشبوط
تاريخ النشر 22/02/2009 06:00 AM
تتطلب مكافحة الفساد في العراق اكثر من سنة، ولا يكفي ان تخصص لذلك سنة واحدة، فالامر يحتاج زمنا اكثر، بسبب عمق تغلغل الفساد واتساع انتشاره في مفاصل الدولة ومرافقها.ليس الفساد الذي تعاني منه الدولة العراقية وليد عامل واحد ولا نتاج فترة زمنية محدودة، انما هو حصيلة تفاعل عوامل عدة على مدى زمني طويل، ولذا تتطلب معالجته ومكافحته، اضافة الى المدى الزمني الاطول، منظومة متشابكة من العناصر التشريعية والقانونية والاقتصادية والثقافية. واذا كان الفساد منتشرا في مختلف مستويات الدولة، فان مكافحته تكون امضى اذا بدأت من المستويات العليا.يتمثل جوهر الفساد في استغلال الموقع الوظيفي العام (المدفوع الاجر والامتيازات) لتحقيق منافع خاصة، سواء على مستوى الاثراء ام الوظائف ام الخدمات والتفضيلات ام العقود والصفقات والفرص الاخرى، خارج اطار القانون، او بالاحتيال عليه.وبديهي ان المسؤول في الموقع الاعلى اكثر قدرة من غيره على استغلال موقعه لتحقيق هذه المنافع، من الموظف في الدرجات الدنيا في هيكلية الدولة. فللفساد درجات تتناظر مع مستوى الموقع الوظيفي. ولذا قيل ان درجة الفساد تكون بقدر قوة السلطة التي يتمتع بها الشخص. فما يستطيع ان يفعله موظف صغير لا يمكن ان يقاس بما يمكن ان يقوم به مسؤول كبير. الثاني يجلس على هرم يكتنز الكثير من الاموال والصلاحيات والقدرة على الانجاز.ولذا تكون معالجة الفساد في المستويات العليا للدولة بمثابة قطع رأس الافعى بدل من قطع ذيلها.وهذا يتطلب احاطة المواقع العليا بسلسلة من اجراءات الضبط والربط والمراقبة والتدقيق والموازنة او ما يسمى بـ checks and balances لتضييق فرص استغلال الموقع الوظيفي الحكومي من قبل من يشغله.كان الخليفة عمر بن الخطاب قد سن سابقة حين عمل بقانون «من أين لك هذا؟»، واليوم تطلب الحكومات الحريصة على مكافحة الفساد من المسؤولين الكبار كشف ذممهم المالية وذمم ابنائهم وزوجاتهم واقاربهم. كما تضع سلسلة قيود ومحددات تضيق من فرص المسؤول الكبير على تعيين ابنائه واخوانه واقربائه في وظائف الدولة بدون حق وبطريقة منحازة وغير عادلة. وتضع سلسلة أخرى من المحددات لطريقة ابرام العقود وارساء المناقصات التي تحول بين المسؤول عنها وبين بيعها الى من يحقق له هامشا من الربح على حسابها.توجد في العراق هيئات ومؤسسات عدة معنية بمكافحة الفساد. فهناك المجلس الاعلى لمكافحة الفساد المرتبط بالامانة العامة لمجلس الوزراء، هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والمفتش العام فضلا عن لجنة النزاهة في مجلس النواب.ولا ينكر المراقب ان هذه الهيئات تقوم بجهود كثيرة، وبعض الجهود بعيداً عن دائرة التغطية الاعلامية، لكن الامور تقاس بخواتيمها كما يقال، وخواتيم قضية الفساد تبين ان العراق ما زال في اعلى قائمة الدولة الاكثر فسادا في العالم رغم مرور 6 اعوام على سقوط النظام الدكتاتوري الفاسد.مازال في امكان المراقب ان يرصد حالات اثراء غير مشروع، واستغلال للموقع الرسمي في بيع المناقصات والعقود والتفضيلات وخدمات الدولة، وما زال القُرب من المسؤول، حزبيا او مناطقيا او شخصيا او نسبيا، يمثل فرصة مثلى للتعيين وتولي المناصب والمواقع في الدولة وتحصيل الخدمات والتفضيلات، وما زالت الذمم المالية للمسؤولين الكبار (الى درجة مدير عام) بعيدة عن الكشف والمراقبة والفحص والتدقيق.

ليست هناك تعليقات: